اشترى لها ، باقة ورد، وذهب، مزدهيا.. الى موعده معها.
كان العشق في اوله.. وكان الصيف في اوله.. وكان العمر في اوله.
غير ان الرحيل كان مكتملا كقمر الخريف.
خفق قلبه بشدة.. يشاهدها تقبل من زاوية الشارع. تسبقها ابتسامة دافئة وحائرة. حياها بلهفة. ود لو يشدها بين ذراعيه، يضمها الى صدره.. لكنه خشي العابرين.
قال: احبك..
مدت يدها ومررتها بخفة مترددة على بشرة ذراعه.. قالت: الى أي حد.
قال وقد اكتنفه العشق.. حتى اجمرت عيناه: احبك بلا حد.
سارت دافعة دمعة حرى نفرت من عينيها.. حرصت ان لا يلحظها. قالت اشياء كثيرة.. لكنها ابدا لم تسله: لماذا تسافر.
مضت معه.. يدها في يده، وكتفها يمس كتفه، دون طريق.
قبلا.. استغرقا وقتا طويلا في الحديث عن السفر. عارضته.. رفضت الفكرة. لكنه تشبث بها. تشاجرا. ثم قررت.. بنبل الانثى، ان تتجاوز على المأساة.. وتلتقيه ولو في لقاء الوداع.
اوقفها.. قال يتطلع الى عينيها العسليتين الحزينتين، وشعرها تتناهبه الريح. الريح دوما تحمل النسيان: سافتقدك..
قالت دافعة يديه: ليس الان.. وعدت الى اخر الشارع.
لحقها.. يلحظ قناديل المساء تشتعل.
التفت اليه، قالت: لنذهب من هنا؟
قال متكلفا ومحن قامته: الى اين يا سيدتي.
قالت صادقة: خذني معك..
هرب من لحظة الصدق. اوقف تاكسي، مضى بهما الى مرقص نائي.
.. على المعقد المزدوج جلسا يشاهدان الراقصين. كانوا يرقصون للفرح.. اما هما فرقصا رقصة واحدة للغياب على ايقاع اغنية My Endless love. رقصة طالت.. كأنها لا تنتهي.
.. وحين خرجا يدافعان الاختناق.. قفزت فجأة الى ذراعيه.. وقالت تتصنع الطفولة: احملني.. سار بها بضع خطى في طريق السرو.. ثم انزلها حين لمح من بعيد سيارة قادمة.
قالت مناكفة: يا جبان..!؟
قال مشمرا : ساريك انني لست جبانا..
ركضت في الحقل.. لحقها. امسك بها ترجوه بغنج ان يتركها. ناما على العشب بضع دقائق. يرنوان لسماء.
قالت: تاخرت..
نهضا يتابعان السير.. دون امل.
اخيرا سالت محاولة ان تبدو صلبة: ستراسلني اليس كذلك؟.
قال بصوت مبحوح: سافعل.
قالت ولا تتطلع اليه: كثير من قصص الحب انتهت في السفر.
اجاب .. يضرب الحجارة بقدميه: ليس دائما.
قبل ان يبلغ التاكسي بيتها بامتار قليلة: قبلته في عنقه ثلاث قبل، سريعة وخاطفة. لم تتح له ان يرد. امرت السائق بالتوقف . قالت ضاحكة.. ضحكة يكسوها الحزن وهي تلتقط باقة الورد وتترجل : وداعا. ارجوك.. اكتب لي. اغلقت الباب ومضت باكية دون ان تلتفت لندائه.. سارت في الزقاق الى حيث منزلها.
لحقها بضع خطى.. التقط وردة سقطت من باقتها وعاد.. يشعل سيجارة، يرنو الى ظلها يختفي في الزقاق والتاكسي ينطلق في الليل.
..
حين مر بعد سنين طويلة في ذات الزقاق.. ود لو يلمحها. لو يستعيدا معا تلك الحظات. غير انه لحظ ان بيتها لم يعد موجودا. هدم لسبب ما. فمضى يضم يديه على صدره.. على ذكراها. حد الالم