كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي بأن يدي تفنىويبقى كتابها
فان كتبت خيرا ستجزى بمثله وان كتبت شراً عليها حسابها
ضاع العمر بغلطة
فهد عامر الأحمدي
هناك قصة مشهورة في الأدب الفرنسي اعتمدت على واقعة حقيقيةحدثت في باريس قبل فترة طويلة.. ورغم أنني لم أعد أذكر الأسماء والتفاصيل إلا أننيأذكر المغزى والمفارقة - وبالتالي سمحت لنفسي بإعادة صياغتها على النحو التالي:
... كانت هناك شابة جميلة تدعى (صوفي) ورسام صغير يدعى (باتريك) نشآ في احدىالبلدات الصغيرة.. وكان باتريك يملك موهبة كبيرة في الرسم بحيث توقع له الجميعمستقبلا مشرقا ونصحوه بالذهاب إلى باريس. وحين بلغ العشرين تزوج صوفي الجميلة وقرراالذهاب سويا إلى عاصمة النور.. وكان طموحهما واضحا منذ البداية حيث سيصبح (هو) رساما عظيما (وهي) كاتبة مشهورة. وفي باريس سكنا في شقة جميلة وبدآ يحققان اهدافهمابمرور الأيام.. وفي الحي الذي سكنا فيه تعرفت صوفي على سيدة ثرية لطيفة المعشر. وذات يوم طلبت منها استعارة عقد لؤلؤ غالي الثمن لحضور زفاف في بلدتها القديمة. ووافقت السيدة الثرية وأعطتها العقد وهي توصيها بالمحافظة عليه. ولكن صوفي اكتشفتضياع العقد بعد عودتهما للشقة فأخذت تجهش بالبكاء فيما انهار باتريك من اثرالصدمة.. وبعد مراجعة كافة الخيارات قررا شراء عقد جديد للسيدة الثرية يملك نفسالشكل والمواصفات. ولتحقيق هذا الهدف باعا كل مايملكان واستدانا مبلغا كبيرا بفوائدفاحشة. وبسرعة اشتريا عقدا مطابقا وأعاداه للسيدة التي لم تشك مطلقا في انه عقدهاالقديم. غير ان الدين كان كبيرا والفوائد تتضاعف باستمرار فتركا شقتهما الجميلةوانتقلا إلى غرفة حقيرة في حي قذر.. ولتسديد ماعليهما تخلت صوفي عن حلمها القديموبدأت تعمل خادمة في البيوت. أما باتريك فترك الرسم وبدأ يشتغل حمالا في الميناء.. وظلا على هذه الحال خمسة وعشرين عاماً ماتت فيها الاحلام وضاع فيها الشباب وتلاشىفيها الطموح.. وذات يوم ذهبت صوفي لشراء بعض الخضروات لسيدتها الجديدة وبالصدفةشاهدت جارتها القديمة فدار بينهما الحوار التالي:
- عفواً هل انت صوفي؟
- نعم، من المدهش ان تعرفيني بعد كل هذه السنين!!
- يا إلهي تبدين في حالة مزرية، ماذا حدث لك، ولماذا اختفيتما فجأة!؟
- اتذكرين ياسيدتي العقد الذي استعرته منك!؟.. لقد ضاع مني فاشترينا لك عقداجديدا بقرض ربوي ومازلنا نسدد قيمته..
- يا إلهي، لماذا لم تخبريني يا عزيزتي؛ لقد كان عقدا مقلدا لا يساوي خمسهفرنكات!!
@@ هذه القصة (المأساة) تذكرتها اليوم وأنا أقرأ قصة حقيقية من نوع مشابه.. قصةبدأت عام 1964حين هجم ثلاثة لصوص على منزل كارل لوك الذي تنبه لوجودهم فقتلهمجميعهم ببندقيته الآلية. ومنذ البداية كانت القضية لصالح لوك كونه في موقف "دفاع عنالنفس". ولكن اتضح لاحقا ان اللصوص الثلاثة كانوا أخوة وكانوا على شجار دائم معجارهم لوك. وهكذا اتهمه الادعاء العام بأنه خطط للجريمة من خلال دعوة الاشقاءالثلاثة لمنزله ثم قتلهم بعذر السرقة.. وحين أدرك لوك! ان الوضع ينقلب ضده اختفىنهائيا عن الانظار وفشلت محاولات العثور عليه..
- ولكن، أتعرفون اين اختفى!!؟
.. في نفس المنزل في قبو لا تتجاوز مساحته متراً في مترين. فقد اتفق مع زوجتهعلى الاختفاء نهائيا خوفا من الإعدام. كما اتفقا على إخفاء سرهما عن اطفالهماالصغار خشية تسريب الخبر للجيران.. ولكن الزوجة ماتت بعد عدة أشهر في حين كبرالأولاد معتقدين ان والدهما توفي منذ زمن بعيد. وهكذا عاش لوك في القبر الذي اختارهلمدة سبعة وثلاثين عاما. اما المنزل فقد سكنت فيه لاحقا ثلاث عائلات لم يشعر أيمنها بوجود لوك.. فقد كان يخرج خلسة لتناول الطعام والشراب ثم يعود بهدوء مغلقا بابالقبو.. غير ان لوك اصيب بالربو من جراء الغبار و "الكتمة" واصبح يسعل باستمرار. وذات ليلة سمع رب البيت الجديد سعالا مكبوتا من تحت الارض فاستدعى الشرطة. وحينحضرت الشرطة تتبعت الصوت حتى عثرت عليه فدار بينهما الحوار التالي:
- من أنت وماذا تفعل هنا!!؟
- اسمي لوك وأعيش هنا منذ 37عاما (وأخبرهم بسبب اختفائه)!
- يا إلهي ألا تعلم ماذا حصل بعد اختفائك!!؟
- لا.. ماذا حصل؟
- اعترفت والدة اللصوص بأن أولادها خططوا لسرقة منزلك فأصدر القاضي فورا حكماببراءتك!!
المغزى من المقال.. لا تضيّع حياتك بسبب حماقة غير مؤكدة