ناصر اليحمدي
تبوأت سلطنة عمان مكانة مرموقة في المحافل البيئية الإقليمية
والعالمية وأشادت بها الدول والمنظمات العالمية المعنية بقضايا البيئة
وذلك لسياستها التي تبنتها في مجال الحفاظ على البيئة حيث تبذل جهوداً
كبيرة في حماية البيئة من مخاطر التلوث وتأمين الاستخدام الأمثل للموارد
الطبيعية.
من هذا المنطلق خصصت السلطنة يوما للبيئة العمانية الذي جاء تنفيذاً
للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ
حفظه الله ورعاه ـ والذي تشترك كافة قطاعات المجتمع في تنفيذ فعالياته
سواء بإطلاق حملات زراعة الأشجار أو بتنظيم معرض بيئي متكامل أو بإقامة
الندوات وحلقات العمل الفنية المتخصصة وعمل محاضرات لطلبة وطالبات المدارس
والجامعات والكليات وتنفيذ حملات تنظيف الشواطئ والشعاب المرجانية وغيرها
من مناشط التوعية البيئية.
إن السلطنة تحرص دائما على صون موارد البلاد الطبيعية وتنوعها الأحيائي
وحمايتها من الاستنزاف .. وتعتبر أن من إحدى أولويات خطط التنمية
المستدامة التي تشمل كافة جوانب الحياة العمانية حماية البيئة من التلوث
بكافة أشكاله ومصادره لما لذلك من تأثير إيجابي على صحة الإنسان والبلاد.
ولعل ما يعطي للاحتفال بيوم البيئة العماني مذاق خاص هذا العام هو تزامنه
مع إعلان عام 2010م السنة الدولية للتنوع الأحيائي الذي تحتفل به دول
العالم أجمع والذي يرمي إلى تخفيض معدل فقدان التنوع الأحيائي إلى حد كبير
بحلول نهاية هذا العام وستشارك السلطنة في هذا الاحتفال بتنفيذ عدد من
الأنشطة الهادفة إلى حماية وصون الحياة الفطرية في السلطنة مثل إقامة حملة
لتنظيف الشواطئ وحملة لاستزراع أشجار القرم وغيرها من المناشط التي تدل
على مدى اهتمام وطننا الحبيب بالبيئة ومواردها وحرصه على زيادة الوعي
بضرورة الحفاظ عليها على مختلف المستويات.
لقد أطلقها جلالة القائد المفدى حكمة رشيدة عندما أعلن أن عمل الحاضر هو
الأساس للمستقبل وذلك يتمثل بضرورة الاستخدام الأمثل لموارد البلاد
الطبيعية التي تعتبر ملكا للأجيال القادمة ذلك أن المتجددة منها وغير
المتجددة تعتبر هي الضمان الحقيقي لتحقيق أهداف التنمية التي بدورها تحقق
التقدم والرفاهية لأبنائها فأصبحت متطلبات الحفاظ على البيئة ركنا من
أركان التنمية لاسيما وأن عماننا الحبيبة تتميز ليس فقط بالتنوع الكبير في
التضاريس من سهول ووديان وجبال ومنحدرات وجروف صخرية وشواطئ جميلة فقط بل
تتميز كذلك بثراء البيئة والتنوع الأحيائي إلى جانب احتوائها على العديد
من الحيوانات النادرة والمراعي والغابات التي تضم مجموعة متنوعة من أنواع
النباتات تم تحديد 1208 أنواع منها حتى الآن إلى جانب وجود أكثر من 20
نوعا فرعيا من الحيتان والدلافين وأكثر من 130 نوعا من الشعاب المرجانية
الموجودة بالعالم بالإضافة إلى خمسة أنواع من السلاحف البحرية .. ليس هذا
فقط بل اكتشف العلماء مؤخرا أن السلطنة تحوي صخورا بإمكانها امتصاص غاز
ثاني أكسيد الكربون بمعدل قد يساعد في إبطاء ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة
على الأرض أو ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري حيث إنه عندما يحدث تلامس
بين ثاني أكسيد الكربون وهذه الصخور يتحول الغاز إلى مادة صلدة مثل
الكالسيت .. ومع أن هذه الصخور شائعة في الأرض إلا أنها توجد تحت القشرة
وتكلفة استخراجها مرتفعة أما عندنا فهي على سطح الأرض وبالتالي لا تتكلف
شيئا لاستخراجها.
لقد حبا الله السلطنة بثروة طبيعية هائلة وتنوع أحيائي بري وبحري فريد لذا
قامت حكومتنا الرشيدة بإنشاء المحميات الطبيعية للحفاظ عليها ولكن هذا لا
يخلي مسؤولية كل مواطن في الحفاظ على بيئته نظيفة والعمل على تنمية
مواردها بدلا من استنزافها ولو أن كل عماني زرع أمام بيته شجرة فإنه يكون
قد ساهم في تقليل الملوثات البيئية وساعد على تنفس الأرض لأن الأشجار هي
الرئة الطبيعية التي يتنفس بها كوكبنا.
إن عناية عمان بالبيئة خرجت من الإطار الوطني إلى المستوى الدولي فجاءت
"جائزة السلطان قابوس لصون البيئة" والتي تمنح كل عامين في اليونسكو
اعترافاً وتقديراً للمساهمات المتميزة للأفراد والمجموعات والمؤسسات
والمنظمات في مجال حماية البيئة كدليل مهم يشهد به العالم بأسره لمواقف
السلطنة المشهودة في خدمة قضايا البيئة والتنمية حيث جاءت هذه الجائزة في
وقت اشتدت فيه الحاجة إلى التعامل مع معطيات البيئة ومواردها التي اختل
توازنها الطبيعي بشكل يهدد بحدوث كارثة عالمية بصورة حكيمة وعادلة لتذكر
الأسرة الدولية دائما بضرورة التعاون وبذل المزيد من الجهد والعمل لحماية
الكوكب الذي نعيش فيه.
إن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يعمل بدأب
وإخلاص من أجل الله والأوطان ولذا فإن سجل جلالته حافل بالأمجاد ومطرز
بآيات الحب والوفاء وممزوج بعبق التقدير والتعظيم ليس على المستوى المحلي
فقط وإنما على الصعيدين العربي والدولي.
حفظ الله قائدنا المفدى وبيئتنا الخلابة من التخريب والتلوث وأدام على وطننا الحبيب نعمة الاستقرار والأمن والرخاء.
* * * * المهرجان السلطاني لسباق الخيل .. لوحة تراثية رائعة
المهرجان السلطاني السنوي لسباق الخيل هذا العام لم يقتصر على كونه سباقا
للخيل فقط بل رسم لوحات تراثية رائعة أدهشت الحاضرين باستعراضاته الشيقة
التي قدمها فرسان وفارسات الخيالة السلطانية بين وأثناء أشواط السباق
الستة سواء باستعراض مهارات الركوب الثلاثية أو التقاط الأوتاد أو
المبارزة بالسيف والرماية بالقوس والسهم أو حتى سباق المرح الذي قدم
للأطفال أو عرض مهارات الفرسان المعاقين وسباق للسيارات والعربات القديمة
كذلك فن رقص الخيل واستعراض الوثب من على الخيل وركض العرضة وتنويم الخيل
والعربة التي كان يجرها 26 حصانا الذي يعد رقما قياسيا جديدا تنجزه
الخيالة السلطانية يضاف إلى سجل إنجازاتها.
لقد خرج المهرجان في أبهى حلة في أشواطه الستة سواء التي خصصت للخيل
العربية الأصيلة أو الخيل المؤصلة كلها جاءت أكثر روعة من بعضها البعض إلى
جانب الفقرات المتنوعة المبهرة الأخرى كما أظهر السباق مدى قدرة الفارسات
العمانيات على التحكم والسيطرة على الخيل من خلال القيام بحركات صعبة مثل
الوقوف فوق ظهورها أثناء الجري بسرعة كبيرة مما يدل على مدى اهتمام بلدنا
الحبيب بالخيل وفنونه ومدى تفوق الفتاة العمانية على نفسها وقدرتها على أن
تشارك أخاها الرجل في كل ميادين الحياة.
إن اعتزاز العمانيين بالخيل يأتي من منطلق أنها إحدى العادات العربية
الأصيلة وترمز للأصالة والافتخار والمتأمل لتاريخنا الطويل وتراثنا التليد
يلاحظ مدى اهتمام السلطنة بتربية الخيول وتوليدها واقتنائها والاعتناء بها
منذ القدم فعملت على ترويضها وتدريبها على شتى أنواع السباقات ورياضات
الفروسية المعروفة حتى أصبحت أحد الملامح المميزة لوجهها الحضاري.
الطريف أن أول ما انتشر في العرب من الخيل هو المسمى "بزاد الراكب" وهو
الفرس الذي أعطاه النبي سليمان عليه السلام للأزد من أهل عمان فكان أول
فرس استنتجه العرب ومنه أنجبت خيولها ومن نسله جاء "الأعواج والوجيه وعراب
ولاحق وسبل وأشقر مروان" وهي من فحول الخيل المشهورة .. وهذا يفسر سبب ولع
العمانيين بتربية الخيل الذي ساعدهم في التفنن في أساليب ترويضها وتدريبها
على كافة أنواع السباقات التي تعتبر من الرياضات المحببة لديهم.
لاشك أن اهتمام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله
ورعاه بالفروسية والفرسان وتربية الخيل والحفاظ على أصالتها أعاد إلى
وطننا الحبيب أمجادها التاريخية المشهورة التي عرفت بها منذ فجر التاريخ
ومن دلائل هذا الاهتمام إنشاء المديرية العامة للاسطبلات السلطانية
التابعة لديوان البلاط السلطاني والتي تقوم بالإشراف على تربية الخيل
وتوليدها بالأساليب العلمية الحديثة وفقاً للمعايير العالمية بالإضافة
لتأسيس نادى سباق الخيل السلطاني الذي يتولى مهمة الإشراف على تنظيم
وتطوير فنون فروسية الخيل وتنظيم إقامة مهرجان الفروسية السلطاني الذي
يقام كل خمس سنوات .. والجميل أنها تقوم بتوزيع بعض الخيول للمواطنين
سنوياً خاصة فيمن يرى فيهم الاستعداد للاهتمام بالخيل بهدف الحفاظ على هذا
التراث الأصيل.
كما أنه بتوجيه من حضرة صاحب الجلالة أنشئت دائرة توليد الخيول في صلالة
والتي تقوم بالتركيز على إنتاج أحسن السلالات خاصة العربية منها ومن
المعروف أن الاسطبلات السلطانية تمتلك كل السلالات المعروفة في العالم من
خيول السباق والاستعراض والقفز والصولجان والنشاطات الأخرى وهذا خير دليل
على أن الخيل بالنسبة للسلطنة تمثل وجها تراثيا حضاريا في ذات الوقت.
من هنا نوجه شكرنا إلى كل من ساهم في إنجاح هذا المهرجان المبهر فكل
الدلائل تشير إلى تواصل مسيرة النهضة العمانية الرائدة عاما بعد عام منذ
انطلاقتها الوثابة الواثقة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن
سعيد المعظم شاقة طريقها بثقة وعزيمة واقتدار نحو أهدافها العليا لتحقيق
المزيد من التقدم والرفاهية لأبناء هذا الشعب العماني الوفي.
إن ما يتحقق على أرض السلطنة من إنجازات سياسية وتنظيمية واقتصادية
واجتماعية ورياضية يهدف أساسا إلى بناء وخدمة الإنسان العماني الذي ظل
باستمرار محور الحكومة بالضمانات الفاعلة ... والمقومات الثابتة للنظام
الأساسي للدولة من أجل حاضر مشرق مفعم بالبذل والعطاء ومستقبل واعد مبني
على أرضية من التخطيط السليم والمنهجية الواضحة المعالم.
إن الحصاد الذي حققته النهضة طوال عمرها لم يأت من فراغ ولم يكن وليد
لحظته وإنما هو امتداد لجهد مبذول وعطاء متجدد لصاحب الفضل ومؤسس نهضتنا
العمانية ومولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه
الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه.
* من فيض الخاطر
إن أشد ما يحزنني في هذه الحياة الفانية التي لا تساوي عند الله جناح
بعوضة أن تتعرض فجأة ودون سابق إنذار لطعنة قلبية قاسية تأتيك من قريب تكن
له كل مودة وتمنحه كل ذرة حب في إطار أسرة عريقة عنوانها الوفاء وشعارها
التعاون. هذه الطعنة القاسية تحولت بقدرة قادر إلى جرح غائر لا يندمل وإلى
مرض خطير لا يجدي معه علاجا أو دواء.. لأنه من الصعب جدا أن تقدم الحسنة
إلى قريب ثم يقابلها هذا القريب بالسيئة التي تبقى غصة كبيرة في حلق من
يتعامل مع الآخرين بنوايا خالصة وقلوب صافية وعقول متفتحة نحو الصلاح
والإصلاح.
* آخر كلام
قال أحد الحكماء : الإخوان ثلاثة .. أخ كالغذاء تحتاج إليه كل وقت وأخ كالدواء تحتاج إليه أحياناً وأخ كالداء لا تحتاج إليه أبداً.