بوب هربرت
من هو باراك أوباما؟ مازال الأمريكيون يبحثون عن الإجابة، وفي حالة
عدم حصولهم عليها في القريب العاجل – أو إن لم تعجبهم الإجابة – فإن
المشكلات السياسية الراهنة التي يواجهها الرئيس ستبدو مثل نزهة في
الحديقة.
ربما يمتلك الرئيس أوباما شخصية جذابة للغاية، ولكنه وضع نفسه فوق الخريطة
السياسية: المرشح الرئاسي المضاد للحرب الذي صعّد الحرب في أفغانستان؛
والمعارض لتفويضات التأمين الصحي الذي جعل من التفويض لشراء التأمين محور
خطته؛ والرئيس الذي زود إدارته بالمطّلعين في وولستريت وقدم الدعم للبنوك
والشركات الكبيرة، ولكنه هو الذي يحاول الآن أن يقدم نفسه على أنه شعوبي
ولد من جديد.
يتعرض الرئيس أوباما لخطر يتمثل في أن يتصوره الجميع على أنه شخص لا يمكن
الثقة بشكل دائم في خطابته، مهما كانت مهارتها. إنه يصنع فجوة مصداقية
لنفسه، ولو اتسعت هذه الفجوة أكثر من ذلك فلن يكون قادرا على ردمها.
كان شعار حملة أوباما هو "التغيير"، وقد فهم معظم أنصاره ذلك على أنه يعني
أنه سيغير الطريقة التي كانت تتم بها الأعمال في واشنطن وأنه سيقلب
السياسات الاقتصادية الكارثية التي هي في مصلحة الشركات الكبيرة والأثرياء
على حساب الطبقة الوسطى والفقراء.
"الليلة، كثير من الأمريكيين بدون عمل، والكثير منهم يعملون بشكل أكثر
جدية في مقابل دخل أقل،" كما قال أوباما في خطاب قبول الترشح في المؤتمر
القومي للحزب الديمقراطي في أغسطس عام 2008. "لقد فقد الكثير منكم
مساكنهم، والكثير يشاهدون قيم مساكنهم تنخفض. والكثير منكم يمتلك سيارات
لا يستطيع تحمل نفقة قيادتها، وفواتير بطاقات ائتمان لا يستطيع تحمل نفقة
سدادها، ورسوم دراسية خارج نطاق قدرتكم".
عندما يشاهد الناخبون هذا المرشح المستقيم كالسهم وهو يلقي هذا الخطاب، في
خضم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، لم يكونوا ليتصوروا منطقيا أن
الإفراط في التركيز على التأمين الصحي سوف يتفوق على قضية توفير الوظائف
كأولوية داخلية قصوى لإدارة أوباما.
ولكن هذا هو الذي حدث. وعلاوة على ذلك، أثيرت الأسئلة حول صراحة الرئيس
أوباما عندما تحدث عن الرعاية الصحية. ففي خطاب قبوله للترشح، على سبيل
المثال، انتقد المرشح باراك أوباما منافسه جون ماكين زاعما أنه قدم "خطة
رعاية صحية من شأنها أن تفرض الضرائب على مداخيل الناس".
والآن يفضل الرئيس أوباما خطة ستفرض الضرائب على بعض مداخيل الناس على
الأقل. كما أن الرئيس أوباما قال مرارا إن حاملي وثائق التأمين الراضين عن
خططهم التأمينية والسعداء مع أطبائهم سيكون بمقدورهم الاحتفاظ بكلتا
الخطتين بموجب مقترحاته الإصلاحية.
حسنا، لم يكن هذا بالضرورة كذلك، كما اعترف الرئيس نفسه في النهاية. سيكون
هناك بلا شك تغييرات في تغطية بعض الناس كنتيجة للإصلاح، وستكون بعض هذه
التغييرات جوهرية. وفي ندورة برعاية شبكة إي بي سي الإخبارية الصيف
الماضي، تراجع الرئيس أوباما عن وعده الذي كان قد كرره مرارا بأنه لن تحدث
أي تغييرات، قائلا فقط "لو أنكم راضون عن خططكم القائمة، وسعداء مع
أطبائكم، لن نريد منكم التغيير".
هذه الحالات التي هي أقل من أن تكون صريحة ترمز إلى مشكلات أكبر
بكثير. لقد وعد الرئيس أوباما أثناء الحملة الانتخابية أنه سيكون نوعا
مختلفا من الرؤساء، رئيس سيقود إدارة أكثر انفتاحا وأكثر رقيا فكريا ستكون
على صلة أكبر بالحاجات الاقتصادية للعاملين الأمريكيين التقليديين. ولكن
ما إن تم انتخابه حتى ألّف فريقا اقتصاديا من شأنه أن يحمي، قبل كل شيء،
مصالح وولستريت والصناعة الصيدلانية وشركات التأمين الصحي، وهكذا. كيف
يمكنك أن تبحث عن مصالح الطبقة العاملة مع وجود تيم جيثنر يهمس في إحدى
أذنيك ولاري سومرز يهمس في الأخرى؟
والآن في ظل شعبيته المنخفضة وهامش مانع عرقلة الديمقراطيين في مجلس
الشيوخ على وشط التلاشي، يحاول الرئيس أوباما مرة أخرى وضع نفسه كبطل
الطبقة الوسطى. ولكن فجأة، وفي ظل فزع الجماهير من الطريقة الفاضحة التي
تم بها وضع تشريع الرعاية الصحية، وفي ظل مواجهة الديمقراطيين لهزيمة
محتملة في الخريف القادم، عاد الرئيس أوباما إلى أسلوب الحملة الانتخابية.
حيث أصبح معظم الكلام عن "المحاربة" من أجل الطبقة الوسطى، و"المحاربة" من
أجل الوظائف، و"المحاربة" ضد البنوك الكبيرة السيئة.
لقد أصبح الرئيس الذي ظل معزولا وبعيدا وعاجزا فيما يتعلق بالتأمين الصحي
والصناعات الصيدلانية، الذي ظل محجوبا داخل الحضن المزعج لكل من جيثنر
وسومرز وبين برنانكي، أصبح فجأة رجل الشعب. ولكن حتى في الوقت الذي يقدم
فيه الوعود بالحرب من أجل الوظائف، وهو اقتراح مكلف للغاية، يقترح تجميدا
للإنفاق، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضر بجهود توفير الوظائف.
سيلقي الرئيس أوباما خطاب حالة الاتحاد يوم الأربعاء القادم ليلا، والذي
يتوقع أن يعرض فيه بعض المساعدة الصغيرة للطبقة الوسطى. ولكن الأهم من
محتوى خطابه هذا سيكون هو ما إذا كان الرئيس يعني حقا ما يقوله. إن
الأمريكيين يريدون أن يعرفوا عم يدافع أوباما، وأين يقع خطه في الرمال
تحديدا، ومن أجل أي شيء سيحارب حقا، وإلى أين يريد أن يقود هذه الأمة.
إنهم يريدون أن يعرفوا من هو رئيسهم حقا.