سيث فريدمان
على الرغم من أن القدس غارقة دائما في صراعات بين المجموعات
المتنافسة من السكان العرب واليهود، هناك شعاع من الأمل يبدو في الأفق.
فقد تم الإعلان مؤخرا عن خطط لإقامة حي متكامل مختلط على مشارف المدينة،
في خطوة يمكن أن تؤدي إلى تغيير في الطريقة التي يتعايش بها اليهود والعرب
في المدينة المقدسة.
في أماكن أخرى في إسرائيل، احتضنت العديد من المجتمعات فكرة العيش
المختلط – مثلما هو الحال في الناصرة ويافا – ولكن القدس ظلت منذ زمن طويل
مدينة مقسمة، ولم يفعل النبذ والعزلة شيئا من أجل تعزيز الانسجام بين من
هم على جانبي خط التقسيم. وعندما يتعلق الأمر بإنشاء القدس، فإن الشرق هو
الشرق والغرب هو الغرب، ولن يلتقي الاثنان أبدا – حتى الآن، هذا هو الحال.
ولو أن مقترح قرية طنطور قد آتي ثماره، فإن مدينة تتكون من 800 وحدة سكنية
سيتم إنشاؤها، وهناك خطط أخرى مقررة من أجل إقامة مجتمع مماثل في الجزء
الشمالي من القدس.
وفي حين أن عمدة القدس لم يعترض على الفكرة، فيقال إنه يفضل وضعها في
مكان آخر في المدينة، ومن هم وراء المشروع يقيمون فرص نجاحهم بنسبة 60% في
أحسن الأحوال. ومع ذلك فإن العديد من الأكاديميين اليهود والفلسطينيين
وموظفي الخدمة المدنية يؤيدون الخطة، وقد حظيت الفكرة بموافقة مبعوث الشرق
الأوسط، توني بلير، كذلك، وهي الموافقة التي تعمل كمصادقة رنانة، على
الرغم من الشكوك العامة حول دوره.
وفي حين أن هناك الكثير من العوائق في مسار هذا المشروع، فإنه سيكون
خيبة أمل كبيرة لو أنه قد انهار عند هذه النقطة، لأن المجتمعات المختلطة
تمثل إحدى أفضل الطرق في جسر الهوة بين الأغلبية من اليهود والعرب في
إسرائيل وفلسطين. لقد خبرت كلا الجانبين من المعيشة الإسرائيلية أثناء
السنوات الخمس التي قضيتها هناك، ورأيت بشكل مباشر الآثار المتباينة
تباينا كبيرا لكل من الأحياء المعزولة والمتكاملة.
قضيت السنوات الأربع الأولى في المستعمرة الألمانية المنعزلة شديدة
التجانس في القدس الغربية، والتي تنمط نفسها كمعقل للضواحي اليهودية
الرغيدة المحافظة. ومع أن سكان هذه المستعمرة يقطنون على بعد أميال قليلة
من بيت لحم فإنهم منعزلون تماما عن جيرانهم العرب، بفضل الجدار الفاصل
والحواجز التي تغلق القدس الجنوبية بإحكام. والانقسامات نفسها موجودة بين
القدس الشرقية والغربية، حيث بينما يوجد وصول حر نسبيا بين جانبي المدينة،
يلتصق كل من العرب واليهود بأراضيهم (بصرف النظر عن التعدي المستمر
للمستوطنين في سلوان والشيخ جراح وغيرهما).
وكانت نتيجة هذا الانعزال جوا دائما من الشك والريبة وعدم الثقة من
كلا الجانبين تجاه الآخر. وفي مثل هذا المناخ، فليس من المستغرب أن
التقارب لا يزال أمرا بعيد المنال. ومع ذلك، ففي أجزاء من البلاد حيث يعيش
العرب واليهود جنبا إلى جنب، تجد الأوضاع أكثر اعتدالا.
ويافا، التي عشت فيها على مدى العام الماضي، هي مثال على ذلك. هذه
المدينة ليست بأي حال من الأحوال ممهدة بالورود، ومازالت التوترات تفيض
حول العديد من القضايا. ومع ذلك، ورغم أن النظام القائم ليس تاما، فهي
أقرب شيء في الوقت الحاضر لنموذج التعايش. ففي كل يوم يكون التواصل مع
أفراد من "الجانب الآخر" هو مفتاح لكسر القوالب النمطية والتغلب على
التعصب، وبهذا ليس هناك بديل عن التجربة المباشرة في العيش في نفس
المجمعات السكنية والتسوق من نفس الأسواق والمحلات والسير في نفس الشوارع.
عندما تأتي من لندن، إحدى أكثر المدن اختلاطا عرقيا على وجه الأرض،
فإن مدنا مثل يافا وحيفا ليست شيئا جديدا. ومع ذلك، فبالنسبة لليهود
والعرب التقليديين في إسرائيل، فإن مستوى الريبة الموجود عندما يتعلق
الأمر بهذه الترتيبات المعيشية يقول الكثير عن الفصل التاريخي بين
المجموعتين. فبصفة روتينية يرفض سائقو سيارات الأجرة التوصيل من تل أبيب
إلى يافا، كما أن شركات الوجبات السريعة ترفض أيضا توصيل الطلبات جنوب
الحدود بين تل أبيب ويافا، وبمجرد أن يسمع أحد من غير المقيمين بأنني أعيش
في يافا، ففي تسع مرات من كل عشر مرات يقابلني الرد المصدوم: "ولكن ألست
خائفا من العيش مع هؤلاء العرب؟"
وعلى الرغم من الجانب السلبي للتحسن المستمر في يافا، فهناك جانب
إيجابي يتمثل في مقدار المعرفة التي يحصل عليها يهود تل أبيب بأن المدينة
القائمة على أعتابهم قد أصبحت نقطة جذب للمحتفلين والسائحين وأشباههم.
وبالمثل، يعرف سكان يافا من العرب بشكل أفضل كثيرا من سكان المدن
الفلسطينية مثل رام الله وجنين لأنه ليس كل الإسرائيليين هم مستوطنون غزاة
أو جنود مدججون بالسلاح، وبهذا فهم في وضع أفضل كثيرا ليتمكنوا من رؤية
الاختلافات الدقيقة في المجتمع الإسرائيلي اليهودي.
سيكون من قبيل الإفراط في التبسيط والتفاؤل أن نفترض أنه بمجرد أن
يبدأ اليهود والعرب العيش معا في كل أنحاء البلاد، فإن السلام سيتبع ذلك
بشكل تلقائي. إن عقودا من سوء معاملة كلا الطرفين للآخر والعداوة والتوتر
الحتميين الناجمين عن ذلك، كل ذلك لن يختفي فجأة. ولكن نظرا لحقيقة أنه لن
يختفي اليهود ولا العرب أيضا، فلابد من أن يكون هناك جهد متناغم منسجم من
جانب كلا الطرفين لإلقاء الوضع الراهن خلف ظهورهما وتعلم العيش في درجة ما
من الانسجام مع بعضهما البعض.
يجب أن تتم إتاحة كل فرصة ممكنة للمجتمعات المقترحة مثل طنطور،
والنماذج القائمة مثل يافا، لكي تزدهر؛ وفعل خلاف ذلك هو بمثابة الحكم على
جيل آخر بحياة من الانقسام وانعدام الثقة.